بنك الذهب المصري الأفريقي: خطوة استراتيجية نحو
السيادة المالية وتحويل مصر لمركز عالمي للمعدن الأصفر
قسم : اقتصاد مالى : أفكار حرة تامر نبيل
تتسارع خطى الدولة المصرية
نحو تعزيز مكانتها كمركز إقليمي ودولي لتداول الذهب، وفي خطوة تاريخية تعكس عمق
التوجه المصري نحو القارة السمراء، أعلن البنك المركزي المصري عن إطلاق مبادرة
طموحة لإنشاء "بنك الذهب" بالتعاون مع بنك التصدير والاستيراد الأفريقي (أفريكسيم
بنك). هذا المشروع ليس مجرد مؤسسة مالية جديدة، بل هو تحول جذري في كيفية إدارة
الموارد الطبيعية الأفريقية، وخطوة نحو فك الارتباط بمراكز التكرير والتداول
الخارجية.
 |
| بنك الذهب المصري الأفريقي: خطوة استراتيجية نحو السيادة المالية وتحويل مصر لمركز عالمي للمعدن الأصفر |
بنك الذهب المصري الأفريقي: خطوة استراتيجية نحو السيادة المالية وتحويل مصر لمركز عالمي للمعدن الأصفر
الشراكة الاستراتيجية المركزي المصري وأفريكسيم بنك
في إطار رؤية القيادة
السياسية لتوسيع آفاق التعاون الأفريقي، وقع السيد حسن عبد الله، محافظ البنك
المركزي المصري، وممثلون عن "أفريكسيم بنك" مذكرة تفاهم تضع حجر الأساس
لإنشاء بنك متخصص في الذهب. تأتي هذه الشراكة لتجمع بين القوة التنظيمية والسيادية
للمركزي المصري، والخبرة التمويلية العابرة للحدود التي يمتلكها بنك التصدير
والاستيراد الأفريقي.
- تستهدف المذكرة إجراء
دراسات جدوى شاملة تغطي الجوانب الفنية، التجارية، والتنظيمية، لضمان إنشاء منظومة
متكاملة لا تقتصر على التداول فحسب، بل تمتد لتشمل التكرير والتخزين والخدمات
المالية المتقدمة.
أهداف إنشاء بنك الذهب لماذا
الآن؟
يمثل إنشاء بنك للذهب في
مصر ضرورة اقتصادية تفرضها المتغيرات العالمية، وتتلخص أهدافه في عدة نقاط محورية:
- دعم الاحتياطيات الدولية:
تعزيز قدرة البنوك المركزية الأفريقية، وعلى رأسها
مصر، على بناء مخزون استراتيجي من الذهب لتدعيم العملات المحلية وتقليل
الاعتماد على الدولار.
- توطين صناعة التكرير:
إنهاء الاعتماد على المصافي الأوروبية والآسيوية،
مما يوفر تكاليف الشحن والتأمين ويحافظ على القيمة المضافة داخل القارة.
- إضفاء الطابع الرسمي على التجارة: تحويل تجارة الذهب
من أطرها غير الرسمية إلى منظومة مراقبة تضمن حقوق الدول والشركات والمنقبين.
- مواجهة الصدمات الخارجية:
خلق حائط صد اقتصادي يحمي الدول الأفريقية من
تقلبات الأسواق العالمية عبر توفير سيولة محلية مدعومة بالمعدن الأصفر.
المكونات
التشغيلية للمشروع مصفاة دولية ومرافق آمنة
لن يكون بنك الذهب مجرد
مبنى إداري، بل هو "منظومة لوجستية متكاملة" سيتم تدشينها في إحدى
المناطق الحرة المخصصة في مصر، وتتضمن:
- مصفاة ذهب معتمدة دولياً:
تلتزم بأعلى معايير النقاء والجودة العالمية، مما
يسمح للذهب الأفريقي بالتداول في البورصات العالمية كمنتج نهائي عالي الجودة.
- خزائن مؤمنة بمواصفات عالمية: توفير مرافق تخزين
تضاهي تلك الموجودة في سويسرا ولندن، مما يشجع المستثمرين والبنوك على
الاحتفاظ بسبائكهم داخل مصر.
- منصة تداول متطورة:
تقديم خدمات مالية متخصصة تشمل تداول الذهب الفوري
والمستقبلي، مما يسهل عملية التحوط والاستثمار.
مصر القلب النابض لتجارة الذهب في أفريقيا
اختيار مصر مقراً لهذا
المشروع لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتاج لعدة مقومات تنافسية:
- الموقع الجغرافي:
تمثل مصر الجسر الطبيعي بين القارة الأفريقية
الغنية بالموارد، وأسواق الاستهلاك الكبرى في الشرق الأوسط وأوروبا.
- البنية التحتية والتشريعية: تمتلك مصر خبرة
قانونية ومناطق حرة مهيأة لاستقبال الاستثمارات الكبرى، بالإضافة إلى قطاع
مصرفي صلب وقادر على إدارة العمليات المعقدة.
- الثقة الأفريقية:
يعكس المشروع ثقة المؤسسات القارية في قدرة الإدارة
المصرية على قيادة المشروعات الاستراتيجية التي تخدم مصالح القارة بشكل جماعي.
قفزة
تاريخية في صادرات الذهب المصرية
تشير الأرقام الرسمية إلى
أن قطاع الذهب في مصر يعيش عصراً ذهبياً حقيقياً. فقد ارتفعت صادرات مصر من الذهب
والمشغولات الذهبية بنسبة مذهلة بلغت 157%
خلال أول 10 أشهر من عام 2025، لتصل إلى نحو 6.76 مليار دولار.
- ويتوقع الخبراء والشعبة
العامة للذهب أن تتخطى الصادرات حاجز الـ 7 مليارات دولار بنهاية عام 2025، وهو رقم غير
مسبوق في تاريخ التجارة الخارجية المصرية. هذا النمو يعزز من جدوى إنشاء بنك
الذهب، حيث يوفر للمصدرين المحليين منصة قوية للتوسع عالمياً.
التعدين في مصر من
الاستخراج إلى التصدير
تنتج مصر سنوياً نحو 15.8 طن من الذهب الخام، ويعد منجم "السكري"
هو المنتج الرئيسي، يليه منجما "حمش" و"إيقات". وتستهدف
الدولة المصرية استراتيجية طموحة تشمل:
- جذب استثمارات سنوية في قطاع التعدين تقدر بـ مليار دولار.
- رفع معدلات الإنتاج لتصل إلى 800 ألف أونصة سنوياً بحلول نهاية العقد
الحالي.
- تطوير القيمة المضافة عبر تصنيع المشغولات
الذهبية بدلاً من تصدير الذهب كسبائك فقط.
وحسب
تصريحات وزير البترول والثروة المعدنية، المهندس كريم بدوي، فقد سجل إنتاج الذهب
والفضة نمواً بنسبة
14%
العام الماضي، مما يعكس نجاح سياسات تطوير القطاع
التعديني وفتحه أمام الشركات العالمية والمحلية.
الرؤية الأفريقية ذهب
أفريقيا لشعوبها
أكد جورج إيلومبي، رئيس
بنك التصدير والاستيراد الأفريقي، أن هذه المبادرة هي جزء من رؤية أشمل تهدف إلى
استغلال موارد القارة لصالح مواطنيها. فبدلاً من أن تظل أفريقيا مجرد مصدر للمواد
الخام، ستصبح من خلال "بنك الذهب" مركزاً للإدارة والتقييم والتسعير.
- إن بناء مخزون ذهب قاري
سيسهم في تعزيز استقرار العملات الأفريقية وقابليتها للتحويل، ويخلق ثروات حقيقية
داخل القارة، مما يقلل من الفقر ويدعم التنمية المستدامة في دول المنشأ.
الخاتمة مستقبل الذهب في
مصر وأفريقيا
إن اتفاق إنشاء بنك الذهب
المصري الأفريقي يمثل فصلاً جديداً في تاريخ التعاون الاقتصادي القاري. هو مشروع
يجمع بين الطموح الاقتصادي والسيادة الوطنية، ويضع مصر في مكانتها المستحقة كقائدة
للتحول الاقتصادي في أفريقيا.
- مع اكتمال دراسات الجدوى
وبدء التنفيذ، من المتوقع أن يشهد سوق الذهب العالمي ظهور لاعب جديد وقوي ينطلق من
قلب القاهرة، ليعيد رسم خريطة تداول المعدن الأصفر في العالم، ويضمن أن يظل ذهب
أفريقيا محركاً أساسياً لنهضتها.